فصل: الفصل السادس عشر في قصة بلعام وموسى:

مساءً 8 :46
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس عشر: في قصة الخضر عليه السلام:

لما علا شرف الكليم بالتكليم كل شرف، قال له قومه أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. ولم يقل فيما أعلم، فابتلي فيما أخبر به واعلم، فقام بين يدي الخضر، كما يقوم بين يدي السليم الأعلم، فابتدأ بسؤال {هل أتبعك} فتلقاه برد {لن} وكم أنّ موسى من لن. أمر قومه بالإيمان فقالوا {لن نؤمن} وقعوا في التيه فقالوا {لن نصبر} ندبوا إلى الجهاد فصاحوا {لن ندخلها} طرق باب أرني فرده حاجب {لن}، دنا إلى الخضر للتعلم فلفظه بلفظ {لن} ثم زاده من زاد الرد بكف {وكيف تصبر} فلما سامحه على نوبة السفينة، وواجهه بالعتاب في كرة الغلام، أراق ماء الصحبة في جدال الجدار {هذا فراق بيني وبينك} ثم فسر له سر المشكل، فجعل يشرح القصص فصلًا فصلًا، بمقول قائل يقول فصلًا، وكلما ذكره أصلًا أصلى، لم يبق لموسى عين تراه أصلًا، وكلما سل من حر للعتاب نصلًا، صاح لسان حال موسى: كم نصلى؟ فألقى تفسير الأمور على الكليم وأملى، والقدر يقول: أهو أعلم أم لا؟ فعلم موسى ويوشع أي عبد أمّا منذ ابتدأ بالشرح بأمّا، ثم أخذ لسان العتاب، يذكر منسى موسى، أتنكر خرق سفينة؟ لظاهر إفساد تضمن ضمنه صلاح {ولكم في القصاص حياة} أو تنكر؟ إتلاف شخص دنى لإبقاء دين شخصين؟ أو كرهت إقامة الجدار، لشح أهل القرية بالقرا أفاردت من الأصفياء؟ معاملة البخلاء بالبخل، أما تلمحت سر؟ صل من قطعك، لقد أنكرت ما جرى لك مثله، حذرت يوم السفينة من الغرق، فصحت بإنكار {أخرقتها} أنسيت يوم؟ {فألقيه في اليم} أنكرت قتل نفس بغير نفس، أنسيت يوم؟ {لو كره} نهيت عن عمل بلا أجر، أنسيت يوم {فسقى لهما} فلما بان البيان، خرج الخضر من باب الدعوى، وأخرج يده من ملك التصرف وأحال الحال على الغير {وما فعلته عن أمري}.
وهذه القصة قد حرضت على جمع رحل الرحيل في طلب العلم، وعلمت كيفية الدب في كف كف الاعتراض على العالم، وصاح فصيح نصيحها بذي اللب:
دع دعواك فعلى دعوى الكليم ليم ** وفوق كل ذي علم عليم

.الفصل السادس عشر في قصة بلعام وموسى:

أيها المتعبد: خف من الفتن ولا تأمن، كم قد أخذ أمنٌ من مأمن، إنه لم ينج من غطامط بحر الفتن الأعظم حافظ الاسم الأعظم، بل عام بلعام، رفل في حلل النعم كالنعم، غافلًا يتعامى عن النعم، وكانت بنية نية تعب تعبده على رمل الريا، فجرت تحتها أنهار التجربة، فانهار بنيانها فتخرب، كان على دينار دينه ورقة رقة، فأعجب نضره نواظر الناظرين، فلما حكه المنتقد على حجر الحجر افتضح بين أهل الحجى، وكان ظاهره لثقا بالتقى، وباطنه باطية لخمر الهوى، فلقد خبأ الخبايث في طي الطويات، فلما أراد المقدر تنبيه جاره على جوره، تقدم إلى القدر بهتك ستره، فآتاه وهو في عقر عقار الهوى، يعاقر عقار الريا وقد رفعت عقيرتها عاقر الفهم إلى أن عقر بعقر قلبه فعاد عقيرًا، فدعه القدر إلى صف صفصف الدعوى، وأرسل عليه لإصراره صرصر العجب، فمزقت جلبات التعبد، فصيره عصفها عصفًا فانكشف عوار عورته فعوى، فإذا به كلب غفور، وقصة إقصائه أن القدر ساق الكليم إلى محاربة فساق بلدته، فقالوا له: اشحذ موسى الدعاء على موسى، فمج فوه مجمجة التمنع، فخوفوه بنحت خشبة، فخشته خشية الخلق، فخرج حتى أتى على أتان فلما قفا وقفت ليقف سير عزمه، فضرى بضربها حتى أضرَّ بها، فقامت في المحجة تتكلم بالحجة عليه، لم تضربني؟ وهذه نار تمنع الماشية المشي، فرجع إلى ملكهم فأخبره خبره، وما نقل العتب المقصود ولا خبره، فألجأ الملك إلى صلب عزمه إلى أمر صلب، إما الدعاء عليهم وإما الصلب، فخرج فأتبعه الشيطان، فما كان إلا أن بلغ المكان {فكان من الغاوين} تالله ما عدا عليه العدو، إلا بعد أن تولى عنه الولي، فلا تظنن أن الشيطان غلب، وإنما العاصم أعرض، وإن شككت فاسمع هاتف القدر، مخبرًا عن عزة القادر {ولو شئنا لرفعناه بها}.

.الفصل السابع عشر في قصة قارون:

كان قارون غاية في فقهه وفهمه، وكان في النسب إلى موسى ابن عمه، فلما فاضت الدنيا عليه، فاضت نفس علمه، وكانت مقاليد خزاين خزاياه وقر ستين بغلًا، غير أن الذي فاته بما ناله أعلى وأغلى، سحب ذيل {فبغى} فقام قومه قومة بزجر {لا تفرح} وألقوا إليه نصائح {وابتغ}، {ولا تنس}، {وأحسن}، {ولا تبغ}.
فركب يومًا في وقت اقتداره في أربعة آلاف مقاتل، وسم الهوى يعمل في المقاتل، وركب معه في معمعته ثلاثمائة جارية، وقد أنساه سفه الأمل أن سفينة الأجل جارية، فلما غلا وعلا، حط إلى حضيض {فخسفنا به} فقال الجاهلون: إنما بادر موسى بادرته، لأخذ بدرة بيداره فقال حاكم الغيب لإزالة الريب {وبداره} فقال موسى: يا أرض خذيه. فاستخذت لأمره. فسرت بسريره، فناشده قارون بالرحم فما رحم، فأخذته لتقدمه حتى غيبت قدمه، فما زال يردد القول حتى غاب الغبي الغني، وإنه ليخسف به كل يوم قدر قامة، فلا تظنن أن ذم الجزاء قد رقي منه، إن الدنيا إذا طلعت على الطغام تطغى، وإذا بغى نكاحها على العفاف تبغى، ثم إنها تقصد هلك محبها وتبغى، وكم عذلت في فتكها بالفتى الفتي وتلغي، أما دردرها فغرت؟ فلما فرغت فغرت فاها فرغت للظعن، أما سحبت قرون قارون؟ مع أقرانه. إلى القران في قرن، أما كفكفت كف مكفوف محبها فارتك فن ما يكون فيك في كفن، تالله لقد لقي الغبي الغني غب غبواته، فلما انجلى غيهب غيمه، رأى الغين والغبن نعوذ بالله من الخذلان.

.الفصل الثامن عشر في قصة داود عليه السلام:

لما حلي داود حلية النبوة، ولُقن فصل فصل الخطاب، أطرب شدو شكره سمع القبول، فمتعه إقطاع {يا جبال أوِّبي معه والطير} فأعجبته سلامة العصمة، فتجهز للإجهاز على جرحي الزلل، فرماهم بسهم، لا نغفر للخطائين، والقدر قد أترع له مما سيعض له الأنامل ملء الإناء، فابتلى بالذنب حتى نكس رأس الرياسة على عتبة الذل، ودب إلى داود المعاصي دبيب الدبا من حيث ما دبر، رماه سهم ليالي القضاء في درع ليالي الفتن. فقضى عليه فما قدر على رده {وقدِّر في السرد}:
وإذا رامي المقادير رمى ** فدروع المرء أعوان النصال

ظن لقوة لقوة عصمته لقاء قرن الهوى، فلاحت له في حم دعواه حمامة من ذهب، فذهب يصيدها، فوقع في عين شرك عينه.
للمهيار:
ظنَّ غداة الخيف أن قد سلبها ** لما رمى سهمًا وما أجرى دما

فعاد يستقري حشاه فإذا ** فؤاده من بينها قد عُدما

لم يدر من أين أصيب قلبه ** وإنما الرامي درى كيف رمى

طاف على بابه طبيب الألطاف، فأراد استخراج النصل من باطن الشغاف، فجئنا على عتبة عتابه، بأعتوبة {خصمان} فقضى على نفسه في صريح {لقد ظلمك} فبينا هو يلاحظ لفظ القضية، المعا معا معاني المعاصي ففطن، ففت بالفتى الفاتن فتن فتياه {وظن داود أنما فتناه} فنزل عن مركب العز إلى مس مسجد الذل، وافترش فراش من قد أسا في دار الأسا، وخلع خلع الفرح لجلباب الحزن، وزرّ زرزر مانقة الخوف على شعار القلق، فأسكت الحمايم بنوحه، وشغلها عن صدحها بصوته، فبالغ حريق الندم في سويدا قلبه، وأقلق الأفئدة بشجى شجنه، ومات خلق كثير من الخلق بترنم شجوه وصوته، وشرب عرق العشب من عين عينه، وحشى سبعة فرش رمادًا، ثم رمى داء الحشا، بعد أن فرشها فرشها، وكان يقول في مناجاته: إلهي خرجت أسأل أطباء عبادك. أن يداووا لي جرح خطيئتي فكلهم عليك يدلني، إلهي أمدد عيني بالدموع، وضعفي بالقوة، حتى أبلغ رضاك عني:
يا من تجنب صبري من تجنبه ** هب لي من الدمع ما أبكي عليك به

حتى متى زفراتي في تصاعدها ** إلى الممات ودمعي في تصوبه

ولي فؤاد إذا لج الغرام به ** هام اشتياقًا إلى مقيا معذبه

ما زال يغسل العين من عين العين، ولسان العتاب يقول: يا بعد اللقا، وكلما رفع قصة غصة جاء الجواب بزيادة الجوى، وهو يستغيث وينادي، حتى أقلق الحاضر والبادي:
إن شفيعي إليك مني ** دموع عيني وحسن ظني

فبالذي قادني ذليلًا ** إليك إلا عفوت عني

.الفصل التاسع عشر في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس:

ركب سليمان يومًا مركب الريح، فراحت بوادره على وادي النمل، فندت نملة فنادت أخواتها بنداء {لا يحطمنكم} فحملته أريحية سكر الشكر على طرب {فتبسم ضاحكًا} وذلك أنها بلفظ {يا} نادت {أيها} نبهت {النمل} عينت {أدخلوا} أمرت {مساكنكم} نصت {لا يحطمنكم} حذرت {سليمان} خصت {وجنوده} عمت {وهم لا يشعرون}، عذرت، فلما فصل طالوت ملكه بالجنود عن وادي النمل، وقع في مفازة لا يرى فيها على ماء علمًا، فجاش جاش الجيش لفقرهم في القفر إلى الماء الما، وكان الهدهد يدلهم على الماء فغاب، فتواعده بلفظ {لأعذبنّه} فجاء ببهت ذكي {أحطت بما لم تحط به} فحمله كتابًا، فألقاه من قاره، بمنقاره، فرأت اليقظى بيقظان فهمها كتابًا مختومًا، كلامًا عجيبًا، وحاملًا غريبًا، فصادها العقل والفهم فصاداها، فاستشارت قومها فأوموا إلى الحرب بلفظ {نحن أولو قوة} فعلمت أن من جنده الطير لا يقاوم، وبعثت ما يفرق به بين الدعوة والدعوى {وإني مرسلة إليهم بهدية} واعجبا للذهب إذا ذهب سهمه لا يخطي، وللرشا إذا رشت مزالق أقدام العقول لا تبطي:
لا يغرنك من الم ** رء إزارٌ رقعهْ

وقميص فوق كعب ** الساق منه رفعهْ

وجبينٌ لاح فيه ** أثر قد خلعه

أره الدرهم تعرف ** غيه أم ورعه

فلما بدت هوادي هديتها، صاح سليمان بعز {أتمدونني بما} فلما صح عندها ما يدعو إليه وثبت، وثبت على أقدام الطلب، وهيأت مراكب القصد، ورحلت في هجير شمس الهدى على نجائب الهجرة، فلما سمع سليمان برحيلها، أراد تقوية دليلها، فنادى في نادي عفاريته، مستعرضًا جند بطشها {أيُّكم يأتيني بعرشها} فلما جيء به ستره بقرام {نكِّروا} ثم ابتلاها، ليرى ذكاها {أهكذا عرشك} ثم صرح بلفظ {ادخلي الصرح} فشبه لها لضعفها عن لطافة كاس ساقيها، فكشفت عن ساقيها، فلما وصلت وسلمت، أسلمت فسلمت، وحلت قبل أن حلت نطاق النطق، فنثرت خرزات نظامه على نظم العذر {إني ظلمت نفسي وأسلمتُ مع سليمان لله رب العالمين}.